|
|||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||
المناهج الدراسية - مناهج معهد تعليم اللغة العربية |
|||||||||||||||||||
المستوى الرابع |
|||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||
|
مقدمة |
|
بسم الله الرحمن الرحيم |
|
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
|
وبعد. |
|
فقد حمل راية الإِسلام بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى خلفاؤه الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ رضي اللّه عنهم فضربوا أروع الأمثلة في الإِخلاص والأمانة والورع فتمكن المسلمون في عهدهم من القضاء على حركة المرتدين في جزيرة العرب وفتح الفتوح الواسعة حتى امتدت رقعة الدولة الإِسلامية في أقل من ثلاثين عاماً من تركستان شرقاً إلى أواسط شمال إفريقيا غرباً ومن أواسط أسيا الصغرى (تركيا) شمالا إلى بلاد النوبة جنوباً، وقد عامل المسلمون سكان البلاد التي فتحوها بما يأمر به الدين الحنيف من عدل وتسامح وإصلاح فأزالوا ظلم الأكاسرة والقياصرة الذي كان يثقل كواهل أولئك السكان وحققوا الأمن للجميع في أنفسهم ودياناتهم وأموالهم، وبتلك المعاملة الطيبة سارع الكثيرون إلى اعتناق ألإِسلام وتعلم اللغة العربية التي وردت تعاليمه العظيمة بها. |
|
وهذه نبذة تاريخية مختصرة في تاريخ الخلفاء الراشدين- رضوان اللّه عليهم أجمعين وهي مقررة على طلبة المستوى الرابع بشعبة تعليم اللغة العربية وذلك مراعاة للزمن المحدد لهذه المادة وقدره حصة واحدة في الأسبوع. وفيها وضحنا نسب كل خليفة، ومولده وإسلامه وفضله وبيعته وأسلوبه في الحكم وأهم أعماله، وخُتم كل موضوع بأسئلة متنوعة شملت ما دُرس فيها إضافة إلى بعض الأسئلة اللغوية. |
|
وفي الختام نسأل اللّه أن ينفع بها الطلاب وأن يجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه إنه سميع قريب مجيب. |
|
إعداد |
|
سعيد بن عبد اللّه بن محمد الغامدي |
خالد بن سليمان الحسينان |
المدرس بشعبة تعليم اللغة العربية |
المدرس بشعبة تعليم اللغة العربية |
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - |
|
(11 – 13 ه / 632 – 634م) |
|
نسبه ومولده: |
|
هو عبد اللّه بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة. ويلتقي مع الرسول صلى الله عليه و سلم في مُرَّة وهو الجدُّ السادس له عليه الصلاة والسلام. ووصفه الرسول صلى الله عليه و سلم بالصِّديِّق عقب حادثة الإِسراء والمعراج إذ صدقه حين كذّبه المشركون. "عندما أُسري بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد الناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر- رضي اللّه عنه- فقالوا: "هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس "؟ قال: "أو قال ذلك؟ " قالوا: "نعم ". قال: "لئن قال ذلك لقد صدق". قالوا: "أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح "؟! قال: "نعم، إني أصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غَدْوَةٍ أو رَوْحَةٍ ، فلذلك سُمِّي أبو بكر الصديق ".(1) |
|
وُلِد – رضي اللّه عنه – بمكة بعد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر ونشأ فيها. |
|
إسلامه وبعض مشاهده: |
|
كان أبو بكر - رضي اللّه عنه - سريع الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد عُدَّ أبو بكر الصديق أول من آمن من الرجال(2) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بُعث كذبه الناس وصدقه أبو بكر. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن اللّه بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟" (مرتين).(3) |
|
وقد صحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة فنزلت الآية الكريمة {إلاّ تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيز حكيم}.(4) |
|
وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه و سلم، وكان يتاجر بالثياب وبلغ رأس ماله حين أسلم أربعين ألف درهم أنفقها على مصالح الدعوة الإِسلامية وخاصة في عتق رقاب المستضعفين الأرقاء (5) من المسلمين. وكان النبي صلى الله عليه و سلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي الرجل في مال نفسه. وقد بين النبي صلى الله عليه و سلم مدى إفادة الإِسلام من ذلك "ما نفعني مال قط ما نَفعني مال أبي بكر"(6). وقد بشره الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة وترك خوخة (7) داره مشرعة على المسجد دون بقية الصحابة وأمره بأن يؤم الناس في الصلاة خلال مرضه وكان موضع مشورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد صاهره بأن تزوج عليه الصلاة والسلام ابنته عائشة - رضي اللّه عنها - (8). |
|
صفاته وفضله: |
|
|
أما عن صفاته – رضي اللّه عنه – فيمكن تقسيمها إلى قسمين : |
ا- |
الصفات الخَلْقِية: |
وصفته ابنته عائشة - رضي اللّه عنها - فقالت: "كان رجلاً أبيض نحيفاً خفيف العارضين (9) أجنأ (10) قليل لحم الوجه غائر (11) العينين ناتئ الجبهة (أي: بارزها) عاري الأشاجع" (أي: الأصابع) (12). |
|
2- |
الصفات الخُلُقية: |
كان - رضي اللّه عنه- أوّاها (13) شديد الحياء كثير الورع حازماً مع رحمة يحفظ شرفه وكرامته وكان غنياً بجاهه وأخلاقه. ولم يؤثَر عنه عبادة الأصنام وأُثِر عنه الأخلاق الطيبة. |
|
وقد أجمع أهل السنة على أنَّ أفضل الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليَّ، وكان- رضي اللّه عنه- حكيماً فقد ظهرت حكمته ورباطة جأشه في مواجهة مصاب الأمة بوفاة النبي صلى الله عليه و سلم كما ظهرت شخصيته القوية وحنكته السياسية في اجتماع السقيفة. |
|
وقد عبر عن تواضع جَمٍّ وزهد في الخلافة حين رُشِّح (14) لها وذلك "في خطبته التي خطبها في الناس بعد البيعة ومما جاء فيها: أني قد وليت عليكم ولست بخيركم. الخطبة" (15). ومع علمه بالقرآن والسنة وفهمه لمقاصد الشرع وأحكامه فقد كان كثير الاستشارة للصحابة وكانت الرحمة تغلب على آرائه فقد أشار بقبول المفاداة من أسرى بدر (16). |
|
البيعة لأبي بكر- رضي اللّه عنه- بالخلافة: |
|
بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم. اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة منهم فحضر إليهم نفر من المهاجرين ومنهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح- رضي اللّه عنهم- فتكلم أبو بكر وبيَّن فضل الأنصار وقال: "لقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيد عمر بن الخطاب، وبيد أبي عبيدة بن الجراح " فقال عمر بن الخطاب: "يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيَّكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر" فقال الأنصار: "نعوذ باللّه أن نتقدم أبا بكر" (17). فقد استدل عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- بأحقية أبي بكر بالخلافة بعد أن ذَكَّرهم بأمر الرسول صلى الله عليه و سلم أن يؤم الناس أبو بكر- رضي اللّه عنه- فطلب عمر من أبي بكر أن يبسط يده ليبايعه فبسط يده فبايعه عمر فالمهاجرون فالأنصار وما كان للأنصار - رضوان اللّه عليهم - أن يتخلفوا عن البيعة بعد أن نبههم عمر إلى تلك الحقيقة ألا وهي أفضلية أبي بكر- رضي اللّه عنه- على سائر الصحابة- رضوان اللّه عليهم- جميعاً فاتفقت كلمتهم على البيعة. وفي اليوم التالي صعد أبو بكر- رضي اللّه عنه- المنبر فبايعه الناس وتمت البيعة لأبي بكر (18). |
|
أسلوبه في الحكم - رضي اللّه عنه -: |
|
أعلن أبو بكر - رضي اللّه عنه - أسلوبه في الحكم من خلال خطبته القصيرة التي خطبها في الناس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: |
|
"يا أيها الناس إِني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقْوِّمُوني: الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوى عندي حتى ارجع عليه حقه إن شاء اللّه، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء اللّه لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا خذلهم ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم اللّه بالبلاء. أطيعوني ما أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت اللّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم " (19). |
|
وقد تضمنت هذه الخطبة الخطوط الرئيسة لسياسته- رضي اللّه عنه- وهي: |
|
1- |
ساوى نفسه بالناس يسري عليه من الحكم ما يسري عليهم. |
2- |
إقامة مبدأ التعاون على الحق. |
3- |
رفع شعار الصدق ومحاربة الكذب. |
4- |
الأخذ على الظالم وإنصاف المظلوم. |
5- |
رفع راية الجهاد في سبيل اللّه. |
6- |
قمع (20) الفاحشة في المجتمع. |
7- |
الأمر بطاعته مادام يقيم حدود اللّه (21). |
أعمال أبي بكر- رضي اللّه عنه -: |
أبو بكر- رضي اللّه عنه - له أعمال عظيمة فقد حقق أهدافاً وإنجازات كثيرة وجليلة وكانت أيامه حافلة بأعمال الخير مع أنها لم تدم إلا سنتين وثلاثة أشهر و من أهم أعماله ما يلي: |
|
أولاً: إنفاذ جيش أسامة بن زيد - رضي اللّه عنه -: |
جهز رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جيشاً قبل وفاته وأَمَّرَ عليه أسامة بن زيد - رضي اللّه عنهما - وكان أسامة قد أُمِر أن يسير إلى مشارف الشام، فعسكر في الجُرْف وقد ضَمَّ جيشه كبار الناس وخيارهم وفيهم عمر- رضي اللّه عنه - ولكن هذا الجيش لم يبرح المدينة لمرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومازال معسكراً حتى توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر - رضي اللّه عنه - الخلافة، ولما وصلت أنباء(22) بوادر الردة رأى أسامة أن يتريث حتى ينجلي الوضع وبخاصة وأن معه وجوه الناس فأبى أبو بكر- رضي اللّه عنه - إلاّ أن يسير إلى ما أمِرَ به وقال: "ما كنت لاستفتح بشيء أولى من إنفاذ أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولإِن تخطفني الطير أحب إلي من ذلك" واستأذن أبو بكر أسامة في عمر- رضي اللّه عنهم - فأذن له ومضى لوجهه. |
مضى أسامة - رضي اللّه عنه- إلى أرض الشام وقاتل من ارتد من قبيلة قضاعة ففروا إلى دومة الجندل وسار أسامة حتى أغار(23) على وآبل من نواحي مؤته وأَدَّى مهمته بنجاح وعاد سالماً غانماً في أربعين ليلة(24). |
|
ثانياً: محاربة المرتدين: |
|
وصلت أنباء الردة إلى عاصمة الدولة الإِسلامية (المدينة النبوية) وكان المرتدون على ثلاثة أقسام: |
|
|
القسم الأول: عاد إلى عبادة الأوثان. |
|
القسم الثاني: اتبع أدعياء النبوة. |
|
القسم الثالث: استمر على الإِسلام ولكنهم جحدوا الزكاة وتَأَوَّلُوها بأنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم (25). |
وقد أرسل الفريق الثالث وفداً إلى المدينة لمفاوضة خليفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد نزل على وجهاء الناس في المدينة عدا العباس بن عبد المطلب - رضي اللّه عنه - وقد وافق عدد من كبار الصحابة على قبول ما جاءت به رسل هذا الفريق وناقشوا في ذلك الأمر، أبا بكر ومنهم عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم. إلاّ أن أبا بكر – رضيِ اللّه عنه – رفضهم قولهم ذلك وقال قولته المشهورة: "واللّه لو منعوني عقالاً كان يؤدونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و سلم لجاهدتهم عليه". |
|
وقال عمر لأبي بكر - رضي اللّه عنهما -: كيف تقاتلهم وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فمن قال: "لا إله إلا اللّه" فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على اللّه "(26). فقال أبو بكر: "واللّه لأقاتلن من فَرَّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. واللّه لو منعوني عناقاً(27) لقاتلتهم على منعهم ". وهكذا رأي أبي بكر - رضي اللّه عنه- أن الإِسلام كُلُّ لا يتجزأ وليس هناك من فرق بين فريضة وأخرى والزكاة أهم تشريع في النظام الاقتصادي الإِسلامي وركن من أركان الإِسلام وعبادة بحد ذاتها ولا يمكن تطبيق جزء من الإِسلام وإهمال آخر ورأى الصحابة أن الأخذ باللين أفضل، وقال عمر- رضي اللّه عنه-: "يا خليفة رسول اللّه! تألف الناس وأرفق بهم " فأجابه أبو بكر: "رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك؟ أجبّار في الجاهلية وخوار في الإسلام؟ إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أو ينقص وأنا حي؟ أليس قد قاَل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم: "إلا بحقها، ومن حقها الصلاة وإيتاء الزكاة واللّه لو خذلني الناس كلهم لجاهدته! بنفسي "(28). |
وقد أصدر أبو بكر - رضي اللّه عنه- كتاباً عاماً وجهه إلى المرتدين في أنحاء الجزيرة وأرسل بهذا الكتاب رسلا يتقدمون الجيش ليقرؤوه على الناس حتى يفتح لهم باب الرجوع إلى الحق ويتيح لهم الفرصة المناسبة لكي يتدبروا أمرهم وحتى يبرئ ذمته أمام اللّه قبل أن تقع الحرب وتراق(29) الدماء(30). |
وكان من نتيجة ذلك أن وقعت اصطدامات بين جيوش المسلمين وهؤلاء المتمردين من المتنبئين والمرتدين وبذل المسلمون في هذه الحروب كل قوتهم وتجلى(31) إيمانهم في أروع صورة واستطاعوا في النهاية وقبل مرور عام أن يقطعوا دابر الفتنة ويعيدوا المرتدين إلى دينهم الذي بلّغه الرسول صلى الله عليه و سلم. |
ثالثاً: جمع القرآن الكريم: |
لقد كانت هذه الفكرة من عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه- قال: "أرسل إليّ أبو بكر الصديق بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده " قال أبو بكر- رضي اللّه عنه-: "إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر(32) يوم اليمامة. بقُرَّاء القرآن وإني أخشى إن استمر القتل بالقُراء بالمواطن(33) فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن… ولم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللّه صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر وأمر زيد بن ثابت فجمع القرآن من العسب(34) واللخاف(35) وصدور الرجال(36). |
رابعاً: الفتوحات الإسلامية: |
|
بعد أن استقر الحكم لأبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- وقمع فتنة المرتدين وعادت الأمور إلى نصابها اتجه الصديق- رضي اللّه عنه- إلى الغاية السامية في الإِسلام وهي إعلاء كلمة لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه وإخراج الناس بها من الظلمات إلى النور لذا فقد آن الأوان لنشر الدعوة خارج الجزيرة العربية فكانت الفتوحات في عهده في جبهتين: |
|
|
الأولى: جبهة الفرس في الشرق: |
لما فرغ خالد بن الوليد من قتال المرتدين أرسله أبو بكر بجيش إلى العراق لمحاربة الفرس الذين رفضوا دعوة الإِسلام، ودارت أول معركة بين الطرفين في كاظمة(37) فانهزم الفرس وقُتِل قائدهم، وغنم المسلمون غنائم كثيرة ثم توالت انتصارات المسلمين في عدة معارك حتىِ دخلت أكثر المناطقِ الواقعة غرب الفرات تحت حكمهم حرباً أو صلحاَ واتخذوا الحيرة مركزاً لهم. |
|
وفي شهر صفر من السنة الثالثة عشرة أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يتوجه مع قسم من الجيش إلى الشام لمساعدة المسلمين هناك على الروم، وأمر أن يخلف على العراق المثنى بن حارثة(38). |
|
|
الثانية: جبهة الروم في الشمال: |
وجه أبو بكر - رضي اللّه عنه - خالد بن سعيد بن العاص على رأس جيش من الدعاة الفاتحين إلى مشارق الشام وعسكر بتيماء والتقى الروم ثم كتب إلى أبي بكر يطلبه المدد والعون فجهز أبوبكر - رضي اللّه عنه - أربعة جيوش. |
|
|
|
|
الأول: قائده عمرو بن العاص ووجهته إلى فلسطين. |
|
الثاني: قائده شرحبيل بن حسنة ووجهته إلى الأردن. |
|
الثالث: قائده يزيد بن أبي سفيان ووجهته البلقاء. |
|
الرابع: قائده أبو عبيدة عامر بن الجراح ووجهته حمص(39). |
ووصلت جيوش المسلمين إلى مشارف الشام وفلسطين في أوائل السنة الثالثة عشرة للهجرة ودارت بينها وبين جيوش الروم عدة اشتباكات تلتها معارك كبيرة وفتوحات عظيمة منها: |
|
أ- معركة أجنادين: سنة 13 ه : |
|
بعد المناوشات(40) الأولى بين المسلمين والروم أعد ملك الروم هرقل جيشاً كبيراً لمقاتلة المسلمين. |
|
فاستنجد المسلمون بأبي بكر- رضي اللّه عنه- وأمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يتوجه من العراق بقسم من الجيش لنجدتهم واخترق خالد الصحراء بسرعة مذهلة حتى التحق بالمسلمين في الشام فتولى قيادتهم ورتبهم ترتيباً ممتازاً وانطلق الجميع للوقوف مع عمرو بن العاص الذي كان يواجه جيشاً رومياً كبيراً في أجنادين من أراضي فلسطين ولما التقى الطرفان هزم المسلمون الروم هزيمة كبيرة (41) وانتصروا عليهم. |
ب- مرج الصُّفر سنة 13: |
حدث هذا اللقاء إلى الجنوب من دمشق مع قوات الروم التي جاءت من حمص في الشمال فتلتف لتقابل المسلمين من الجنوب... وقف خالد ومعه أبو عبيدة وراء الصفوف وسار بهم نحو جيش الروم الذي بعثه هرقل وكانوا من أهل القوة والشدة ليغيث حامية دمشق التي كان يحاصرها المسلمون فاضطر المسلمون إلى أن يسيروا نحوها، وبلغ عدد الروم أكثر من عشرة آلاف اجتمعوا في مرج الصفر ونظر إليهم خالد بن الوليد ثم أسرع يعبئ جيشه كتعبئة يوم أجنادين وفي هذه المعركة انهزم الروم وأصاب المسلمون عسكرهم وقتلوا منهم كثيراً وتبددت فُلولهم(42) (43). |
مرض أبي بكر- رضي اللّه عنه- ووفاته: |
كان سبب مرض أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- أنه اغتسل في يوم بارد فأصيب بالحُمى خمسة عشر يوماً لا يخرج فيها إلى الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس وكان الناس يدخلون إليه يزورونه وهو في البيت وكان عثمان- رضي اللّه عنه- ألزمهم له في مرضه. |
ومازال المرض به حتى توفي أبو بكر- رضي اللّه عنه- مساء ليلة الثلاثاء لثماني ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال. |
وقد أوصى- رضي اللّه عنه- أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس – رضي اللّه عنها- وكفن بثوبين وقيل: بثلاثة. |
وصلى عليه عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه-، ودفن ليلاً إلى جانب صاحبه عليه الصلاة والسلام وجُعِل رأسه بمحاذاة(44) كتفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (45) رحمه اللّه ورضي عنه وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء. |
أسئلة |
|
س 1 |
أذكر نسب أبي بكر. ولماذا وصف بالصديق؟ |
س 2 |
أين يلتقي مع النبي صلى الله عليه و سلم في النسب؟ |
س 3 |
أين ولد أبو بكر؟ ومتى؟ |
س 4 |
تحدث عن إسلام أبي بكر. |
س 5 |
تحدث عن صفات أبي بكر الخَلقية. |
س 6 |
من أفضل الناس بعد الرسول !؟ ولماذا؟ |
س 7 |
وضح كيف تمت الخلافة لأبي بكر. |
س 8 |
ما أسلوب أبي بكر في الحكم؟ |
س 9 |
أذكر الخطوط الرئيسة لسياسته. |
س10 |
كانت أيام أبي بكر حافلة بأعمال جليلة اذكر اثنين منها. |
س 11 |
من أشار على أبي بكر بجمع القرآن؟ |
س 12 |
اذكر الطرفين في معركة أجنادين. ومن انتصر فيها؟ |
س 13 |
كم دامت خلافة أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه-؟ |
س 14 |
متى مات أبو بكر؟ وأين دفن؟ |
س 15 |
أعرب ما تحته خط: |
|
أ- لكن أبا بكر- رضي اللّه عنه- صمم على أن ينفذ ما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم . |
2- ما نفعني مال!قط ما نفعني مال أبى بكر. |
|
3- سار فريق من المرتدين وراء المتنبئين الكذابين. |
|
4- واللّه لو منعوني عقالاً. |
|
س 16 |
ما معنى: |
|
المرتدون، المتنبئون، المتمردون؟، وهات المفرد والمثنى منها. |
|
|
|
(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد الأول رقم 306، أخرجه الحاكم في المستدرك 3/62, 63. |
(2)فتح الباري 7/170. |
(3) فتح الباري 7/18. |
(4) سورة التوبة آية 40. |
(5) جمع رقيق وهو المحلول. |
(6) أحمد، فضائل الصحابة 1/65 بإسناد صحيح. |
(7) الخوخة: باب صغير ينفذ منه إلى المسجد. |
(8) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور/ أكرم ضياء العمري ص 63. |
(9) خفيف العارضين: العارض صفحة الخد والمراد خفيف شعر الخد. |
(10) أجنأ: الأحدب وكذلك يطلق على انحناء ما بيت الكتفين على الصدر. |
(11) غائر العينين. أي عيناه داخلتان في رأسه. |
(12) الخلفاء الراشدون، أمين القضاة صح15. |
(13) أوّاهاً: الأوّاه كثير الدعاء وكذلك رحيم القلب ورقيقه. |
(14) رشح: أي اختياره وهيئوه للخلافة. |
(15) خطبته بعد البيعة كما سَيأتي إن شاء الله. |
(16) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور/ أكرم ضياء العمري. |
(17) مسند أحمد 2/133. |
(18) انظر لمحات في الخلافة الراشدة، للدكتور / عبد العزيز محمد نور ولي. |
(19) سيرة ابن هشام 4/661، البداية والنهايةِ 6/305. |
(20) قمع: أي قهرهم وذَللَّهم (المرتدين). |
(21) لمحات في الخلافة الراشدةَ، للدكتور/ عبد العزيز محمد نور ولي. |
(22) أنباء. أي أخبار. |
(23) أغار: أي اشتد قي العدو وأسرع. |
(24) لمحات في الخلافة الراشدة، للدكتور/ عبد العزيز محمد نور ولي ص8. |
(25) فتح الباري 12/276. |
(26) أخرجه البخاري في الاعتصام، ومسلم في الإيمان، وأبو داود، والنسائي في الزكاة، والترمذي في الإيمان. |
(27) العناق: السخلة الأنثى الصغيرةَ من الماعز. |
(28) التاريخ الإسلامي، محمود شاكر ص 68. |
(29) تُراق الدماء: تنصبّ |
(30) انظر نص هذا الكتاب في البداية والنهاية، لابن كثير ج5 ص 320-321. |
(31) تجلى: ظهر. |
(32) استحر: اشتد |
(33) المواطن: جمع موطن وهي المشهد من مشاهد الحروب. |
(34) العسب: جمع العسيب وهي حريدة النخل المستقيم يكشط ورقها. |
(35) اللخاف: جمع اللخفة وهي حجر أبيض عريض رقيق. |
(36) الخلفاء الراشدون. الدكتور أمين القضاة ص 30. |
(37) انظر الخريطة ص 19. |
(38) السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين، عبد الله الصالح العثيمين ص 81. |
(39) الخلفاء الراشدون، الدكتور أمين القضاة ص 30 |
(40) المناوشاتْ: جمع مناوشة أي خالط مقدمة الجيش. |
(41) السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الرَاشدين، عبد الله الصالح العثيمين ص 86. |
(42) فلولهم: أي الباقي المنقطع منهم. |
(43) الطريق إلى دمشق، أحمد عادل كمال ص 293. |
(44) بمحاذاة: أي وازاه. |
(45) الخلفاء الراشدون، الدكتور أمين القضاة 33. |
عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - |
(13-23ه/ 634- 644م) |
نسبه ومولده: |
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح من بني عدي بن كعب. إحدى عشائر قريش يجتمع نسبه مع الرسول صلى الله عليه و سلم في الجدِّ السابع (وهو كعب بن لؤي). |
كان من أشراف قريش وساداتها وإليه كانت سفارة قريش فهو سفيرهم إذا نشبت الحرب بينهم أو بينهم وبين غيرهم. |
ويكنى أبا حفص ويلقب بالفاروق. لقَّبه بذلك النبي صلى الله عليه و سلم، وُلِد بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة. وكان شديداً على المسلمين ودعا له النبي صلى الله عليه و سلم بالهداية فأسلم في السنة السادسة من البعثة فاعتز به الإِسلام(1). |
إسلامه: |
كان عمر رجلاً قوياً مهيباً وكان يؤذي المسلمين ويشتد عليهم قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وهو ابن عم عمر وزوج أخته فاطمة بنت الخطاب: "واللّه لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإِسلام قبل أن يسلم ". |
وهكذا ربط عمر سعيداً بسبب إسلامه ليصده عن دينه، ولكن شدته الظاهرة كانت تكمن خلفها رحمة ورقة فقد أخبرت أم عبد اللّه بنت أبي حثمة- وهي من مهاجرة الحبشة- قالت: "واللّه إنا لنرتحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف – وهو على شركه وكنا نلقى من البلاء أذى لنا وشدة علينا - فقال: إنه للانْطِلاق يا أم عبد الله؟ فقلت نعم واللّه، لنخرجن في أرض اللّه آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اللّه مخرجاً فقال صحبكم اللّه، ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه- فيما أرى- خروجنا قالت: فجاء عامر بحاجته تلك. فقلت له: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفاً ورقته وحزنه علينا قال: أطمعت في إسلامه؟ قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب قالت: يأساً منه(2) لما كان يرى من غلظته وقوته على الإسلام. ويبدو أن حدس(3) المرأة كان أقوى فقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم يدعو اللّه أن ينصر دينه به. |
فعن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أن رسول اللّه صلى الله عليه و سلم قال: "اللهم أعز الإِسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب قال: وكان أحبهما عمر"(4). |
فاستجاب اللّه دعاءه فأسلم عمر، وكان ذلك عقب الهجرة الأولى فاعتز به الإِسلام وصلى المسلمون بالبيت العتيق دون أن يتعرض لهم المشركون. |
قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه-: "مازلنا أعزة منذ أسلم عمر". وقال أيضاً: "لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى بالبيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا" وقال: "إن إسلامه كان نصراً"(5). |
صفاته وفضله: |
بعد أن أسلم عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- تعرض له المشركون وقاتلهم وقاتلوه، وقد عُرف في الجاهلية بالفصاحة والشجاعة، وعرف في الإسلام بالقوة والهيبة والزهد والعدل والرحمة والعلم والفقه، وكان مسدد(6) القول والفعل، وقد وافقه القرآن في عدة مواقف منها أ- اتخاذ مقام إبراهيم مصلى 2- وحجاب أمهات المؤمنين 3- ونصحه لأمهات المؤمنين. وقد بشره الرسول لمجده بالجنة وبشره بالشهادة(7). |
بيعته: |
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد شار إلى المسلمين إشارة كي يتولى أبو بكر الخلافة فإن أبا بكر قد أوصى بها وصاية إلى عمر بن الخطاب – رضي اللّه عنه – وكان أبو بكر قد استشار الناس في ذلك فوكلوه لاختيار خليفة له فأمر أن يجتمع له الناس فاجتمعوا له فقال: |
"أيها الناس قد حضرني من قضاء اللّه ما ترون وإنه لابد لكم من رجل يلي أمركم ويصلي بكم، ويقاتل عدوكم، ويأمركم، فإن شئتم اجتهدت لكم رأيي، واللّه الذي لا إله إلاّ هو لا آلوكم(8) في نفسي خيراً، فبكى وبكى الناس، وقالوا يا خليفة رسول اللّه أنت خيرنا وأعلمنا فاختر لنا، قال: سأجتهد لكم رأي، وأختار لكم خيركم إن شاء اللّه "(9). |
ودعا أبو بكر عثمان بن عفان فقال: اكتب بسم اللّه الرحمن الرِحيم، "هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاَ منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب. |
إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل اللّه ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، فإن بدل فلكل امرىء ما اكتسب من الإِثم، والخير أردت ولا أعلم الغيب، سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته "(10). |
أسلوبه في الحكم: |
سار عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- في الحكم على منهج سلفه أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- فعندما بويع بالخلافة بعد وفاة أبي بكر صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إني داع فأمنوا. اللهم إني غليظ فَلَيِّني لأهل طاعتك بموافقة الحق، ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة(11) والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم. اللهم إني شحيح فسخني في نوائب(12) المعروف قصداً من غير سرف ولا تبذير ولا رياء ولا سمعة واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. اللهم ارزقني خفض الجناح(13) ولين الجانب للمؤمنين "(14). |
و يتضح أسلوبه في الحكم من خلال خطبته المشابهة لخطبة أبي بكر - رضي اللّه عنه-. |
وقد أظهر عمر في خلافته حسن السياسة والحزم والتدبير، والتنظيم للإِدارة والمالية، فرسم خطط الفتح وسياسة المناطق المفتوحة والسهر على مصالح الرعية وإقامة العدل في البلاد. وكان لا يَستحلُّ الأخذ من بيت المال إلا حلّةً للشتاء وأخرى للصيف وناقة لركوبه، وَقُوته كقُوت رجل متوسط الحال من المهاجرين، وخطبه ورسائله إلى الولاة والقادة تعبر بدقة عن شعوره العميق بالمسؤولية تجاه الدين والرعية مع حسن التوكل على اللّه والثقة بالنفس(15). |
أهم أعمال عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه-: |
بدأ عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- بتنظيم الدولة الإِسلامية بعزيمة قوية لا تلين وذلك ليستطيع مواجهة مشكلات الحياة ومتطلبات الظروف الجديدة خاصة عندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وإليك أهم أعماله – رضي اللّه عنه -: |
أ- |
دَوَّنَ الدَّواوين فأسس ديوان الجند الذي يشبه في أيامنا وزارة الدفاع، وديوان الخراج الذي يشبه وزارة المالية. |
2- |
أنشأ بيت مال المسلمين وعين القضاة والكتّاب وجعل التاريخ الهجري أساس تقويم الدولة الإِسلامية كما نظَّم البريد. |
3- |
اهتمامه بالرعية فمن ذلك تفقده أحوال المسلمين وعسّه بالليل (16). |
4- |
أبقى الأراضي المفتوحة بأيدي أهلها الأصليين بدلا من تقسيمها بين المحاربين على أن يدفعوا عنها الخراج. |
5- |
قسَّم البلاد المفتوحة إلى ولايات وعَيّن على كل ولاية عاملا له راتب محدد يأخذه من بيت مال المسلمين وكان يختار الولاة ممن يُعرفون بالتقوى وحسن الإدارة دون النظر إلى أحسابهم وأنسابهم. |
6- |
أمر بإنشاء عدة مدن في البلاد المفتوحة مثلِ البصرة والكوفة في العراق والفسطاط في مصر وغيرها لتكون مركزاَ للدولة الإسلامية في تلك البلاد. |
الفتوحات في عهده: |
|
كان من اهتمامات الفاروق- رضي اللّه عنه- مواصلة الجهاد ونشر الإِسلام والاستمرار في الفتح الذي بدأ في عهد أبي بكر- رضي اللّه عنه- لبلاد الفرس والروم وقد كانت هذه الفتوحات كما يلي: |
|
أ- فتح العراق وبلاد فارس: |
|
وَجَّه عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- هَمَّه لفتح العراق وبلاد فارس بعد أن اطمأن على سلامة وضع الجيش الإسلامي في بلاد الشام. |
وقد بلغ من أهمية هذا الأمر (وهو فتح العراق وفارس) في نظر الخليفة أنه رَغِب في أن يقود الجيش بنفسه ولكن جمهرة المسلمين أشارت عليه بالبقاء وأن يَنّدُب لذلك رجلاً من كبار الصحابة فوافق عمر - رضي اللّه عنه- على ذلك واستقر الرأي على سعد بن أبي وقاص - رضي اللّه عنه -. |
ب- موقعة القادسية سنة 15ه: |
قصد سعد بن أبي وقاص- رضي اللّه عنه- العراق وهي حينئذ جزء من دولة الفرس الكبرى وكان خير مثال للقيادة السديدة والسياسة الرشيدة المؤمنة... وِلما أحس الفرس بالخطر القادم عليهم جمع مَلِكَهم (يزدجرد) جيشاً كثيراَ قَدَّرَه المؤرخون بثمانين ألفا من الجنود المدربين في أحسن عُدَّة وعَتَاد... وكان قائدهم عسكرياً مجرباً هو (رستم) وكان مع الجيش ثلاثة وثلاثون فيلاً. |
ولمّا تقابل الجيشان طلب رستم من سعد- رضي اللّه عنه- أن يبعث إليه برجل عاقل عالم يسأله، لأنه كان متعجباً من هؤلاء العرب ما الذي غيّرهم وقد كانوا خاضعين للفرس وكانت ترضيهم كميات من الطعام حين يجوعون ويهاجمون؟ فبعث إليه سعد- رضي اللّه عنه- رجالا من الصحابة- رضي اللّه عنهم- كان من بينهم ربعي بن عامر- رضي اللّه عنه- فدخل عليه وقد زيّنوا مجلسه بالنمارق(17) المذهبة ومفارش الحرير و أظهروا اليواقيت واللآلى الثمينة والزينة العظيمة وعليه تاج يبهر الأبصار وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعي- رضي اللّه عنه - بثياب رثة وسيف وترس(18) وفرس قصيرة فلما رأى زينتهمٍ وانتفاخهم أراد أن يظهر استخفافه بمظاهرهم الكاذبة فدخل بفرسه راكبا عليها حتى داس بها طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض وسائدهم الثمينة، وأقبل عليهم رافع الرأس ثابت الخطى وعليه سلاحه ودرعه وخوذته على رأسه فقالوا له: ضع سلاحك، فقال بعزة: إني لم آتكم وإنما دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: اْئذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق أكثرها. فقال: رستم ما جاء بكم؟ فقال: اللّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور(19) الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضى إلى موعد اللّه. |
قال: وما موعد اللّه؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر(20) لمن بقي، فطلب رستم الإمهال فأبوا أن يمهلوه أكثر من ثلاثة أيام وبعد ذلك التقى الجيشان واقتتلوا قتالا شديداً طَوَال يومهم وأكثر ليلهم واستمروا ثلاثة أيام عانى فيها المسلمون كثيراً من هذه الأفيال التي كانت تُفْزع خيولهم العربية التي لم تتعود رؤيتها ولكن الأبطال المؤمنين صبروا وقَاَتلوا حتى تم النصر لهم بتوفيق اللّه وعنايته بعباده المؤمنين. |
وفي اليوم الرابع بعث اللّه ريحاً شديدة فدمرت معسكر المجوس وهربوا في كل مكان وقتل قائدهم، وقتل منهم عشرة آلاف واستشهد من المسلمين حوالي ألفان وخمسمائة شهيد تقريباً. |
وبهذه المعركة الفاصلة أيّد اللّه سبحانه دينه ورفع كلمته وهابت(21) العرب والعجم المسلمين وانتشر هدي الإِسلام وعدله وتقلص(22) ظلام الكفر والشرك(23). |
ج- فتح الشام: |
علم الروم بدخول الجيوش الإِسلامية أرضهم، فكتبوا إلى هرقل وكان بالقدس، فقال هرقل: أرى أن تصالحوا المسلمين، فو اللّه لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقى لكم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكم من أن يغلبوكم على الشام ونصف بلاد الروم. |
وأغضبت هذه النصيحة قواد الروم، وظنوا أن الأمبراطور قد وَهَنَ(24) وضعف وسيسلم البلاد للغزاة الفاتحين والحق أن هرقل قد ضعف أمام غضبة قواده وعزم على قتال المسلمين معٍ يقينه بالهزيمة وجمع هرقل الثائرين وتوجه إلى حمص وهناك أعد جيشا ضخم العُدد كثير العَدد(25) لمواجهة المسلمين. |
د- معركة اليرموك سنة 15 ه: |
بعد أن رأى هرقل، ملك الروم انتصارات المسلمين حشد ما استطاع حشده من قوات وجعل قيادتها لأخيه، واجتمعت تلك القوات الرومية عند نهر اليرموك، أحد روافد نهر الأردن، ونزل جيش المسلمين، |
بقيادة أبي عبيدة قبالة الروم، وقد كلَّف أبو عبيدة -خالد بن الوليد بتنظيم جيش المسلمين فرتب خالد الجيش ترتيباً ممتازاً لم يعهده العرب من قبل. وهجم فرسان المسلمين ببسالة على الروم حتى فصلوا بين فرسان الجيش الرومي ومُشَاته. وانسحب فرسان الروم بعد أن سقط منهم آلاف بضربات فرسان المسلمين الشجعان. ثِم انقضّ المسلمون على مشاة الروم الذين أخذوا يتساقطون قتلاً أو غرقاَ في النهر. فكان النصر المؤزر حليف(26) المسلمين. وقد قُتِل في معركة اليرموك أكثر من مائة ألف من الروم واستشهد فيها حوالي ثلاثة آلاف من المسلمين(27). |
ه- فتح مصر: |
كانت مصر في ذلك الحين من ممتلكات الروم وكانت تدين بالنصرانية وهي الديانة التي كان يعتنقها الروم ولكن الروم كان يسيئون إلى المصريين مع أن دينهم واحد فكانوا يرهقونهم بالضرائب حتى وصل الأمر بهم إلى أن يفرضوا الضرائب على الموتى فلا يسمحون بدفن الميت إلا بعد أن يدفع أهله ضريبة. |
سار عمرو بن العاص متجهاً من الشام إلى مصر وكان معه من جنود المسلمين أربعة آلاف واخترق بهم رمال سيناء حتى وصل إلى العريش في آخر سنة 18ه وفتحها دون مقاومة لأنه لم يكِن بها حامية(28) رومية ثم سار "حتى وصل إلى "الفرما"(29) فحاصرها شهراَ ونصف الشهر حتى تم له فتحها في أول سنة 19ه وكان أهل مصر يساعدون المسلمين في هذا الحصار ثم تقدم عمرو إلى (بلبيس) فاستولى عليها بعد شهر لم ينقطع فيه القتال… ثم سار إلى "أم دنين"(30) فنشب القتال وتحصن الروم في حصون باب اليون وكان من أمنع الحصون فحاصرهم المسلمون حتى تم لهم النصر بعون اللّه تعالى وتتابع فتح المدن حتى أصبحت مصر ولاية إسلامية(31). |
استشهاد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه -: |
استشهد عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- على يد فيروز غلام المغيرة بن شعبة ويلقب أبا لؤلؤة وكان مجوسياً قتله بخنجر له رأسان طعنه به ست طعنات أحدها تحت سُرَّته وهي التي قتلته وكان ذلك في صلاة الفجر عندما كبر للصلاة من اليوم الثالث والعشرين من ذي الحجة من السنة الثالثة والعشرين من الهجرة وهرِب فيروز وأخذ يطعن بخنجره كل من يمر به حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ما يزيد على النصف وعندما أَحَسَّ أبو لؤلؤة أنه مأخوذ لا محالة أقدم على الانتحار(32) بخنجره ذاتها فَحُمِلَ الخليفة إلى بيته وبقي ثلاثة أيام بعد طعنه ثم توفي يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. |
وقد غسّله وكفّنه ابنه عبد اللّه وصلى عليه ثم دفن بجانب صاحبيه، وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر رضي اللّه عنه وأرضاه وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء. |
|
أسئلة |
|
س 1 |
اذكر نسب الخليفة عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه -. |
س 2 |
أين يلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في النسب؟ |
س 3 |
ما كنيته؟ و بماذا لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ |
س 4 |
متى ولد عمر بن الخطاب؟ |
س 5 |
أذكر ما تعرفه عن فضله. |
س 6 |
تحدث عن إسلام عمر بن الخطاب. |
س 7 |
ما اسم أخته؟ ومن زوجها؟ |
س 8 |
كيف تمت البيعة للخليفة عمر بن الخطاب؟ |
س 9 |
تحدث عن أسلوب عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- في الحكم. |
س10 |
اذكر ثلاثة من أهم أعمال عمر - رضي اللَه عنه-. |
س 11 |
أين تقع كل من المدن الآتية: |
1- الفسطاط؟ 2- الكوفة؟ 3- البصرة؟ 4- الفرما؟ |
|
س 12 |
متى وقعت معركة القادسية؟ ومن قائد المسلمين فيها؟ |
س 13 |
تكلم عن اهتمام عمر بالفتوحات. |
س 14 |
من قائد الفرس في القادسية؟ وكم كان عدد جيش الفرس؟ |
س 15 |
كيف كانت معاملة الروم للمصريين قبل الإِسلام؟ |
س 16 |
متى استشهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه –؟ وكيف استشهد؟ |
س 17 |
كم كانت مدة خلافته؟ |
س 18 |
من غسله وكفنه؟ وأين دفن؟ |
س 19 |
وردت في الدرس العبارة الآتية: | |
|
"خاصة عندما اتسعت رقعة الدولة الإِسلامية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً وإليك أهم أعماله ": |
|
|
أ- ما نوع ما في عندما؟ | |
|
ب- من أي باب الفعل اتّسع؟ | |
|
ج- استخرج من العبارة ما يلي: | |
أ- اسمِ فعل وبين نوعه. |
||
2- نعتاً. |
||
3- مضافاً إليه. |
||
4- أعرب ما تحته خط. |
|
(1) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور أكرم ضياء العمري ص 66. |
(2) يأساً: أي انقطع رجاءه فيه. |
(3) حدس. الظن أو الفراسة. |
(4) رواه الترمذي في المناقب، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه 5/617 رقم 3681، فتح الباري لابن حجر 7/48، صحيح الترمذي للألباني 3/304 برقم 2907. |
(5) انظر إسلام عمر – السيرة النبوية الصحيحة – للدكتور / أكرم ضياء العمري 1/177-178 بتصرف وعزو الآثار فيه. |
(6) مسدد: أي صائب القول. |
(7) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور / أكرم ضياء العمري ص 67. |
(8) لا آلوكم: أي لا أقصر في النصح لكم. |
(9) الإمامة والسياسة، الدينوري 1/25. |
(10) الخلفاء الراشدون، للدكتور أمين القضاة ص 46. |
(11) الفسق والخبث والفجور. |
(12) النوائب جمع نائبة وهي ما ينزل بالرجل من الكوارث والحوادث المؤلمة |
(13) الجناح: الآن جانبه وتواضع. |
(14) العقد الفريد ج 4 ص 65 لابن عبد ربه الأندلسي. |
(15) عصر الخلافة الراشدة، للدكتور/أكرم ضياء العمري ص 68. |
(16) عسه: أي طاف بالليل يكشف عن أهل الريبة. |
(17) النمارق: جمع نمرقة وهي الوسادة الصغيرة. |
(18) ترس: الترس ما يتوقَّى به في الحرب. |
(19) جور. أي ظُلم. |
(20) الظفر. أي فاز به وناله. |
(21) هابت: أي خافت. |
(22) تقلص: أي نقص. |
(23) الخلفاء الراشدون والدولة الأموية، من مطبوعات جامعة الإِمام، إدارة التخطيط والمناهج. |
(24) وهن: أي ضعُف. |
(25) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين، د. محمد السيد الوكيل ص 58. |
(26) حليف. الحليف أي المتعاهد على التناصر والمقصود هنا مع المسلمين. |
(27) السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين، عبد الله الصالح العثيمين ص 86. |
(28) الحامية. الجزء من الجيش. |
(29) موقعها الآن مدينة بور سعيد. |
(30) وهي قرب محطة سكة حديد القاهرة. |
(31) الخلفاء الراشدون والدولة الأموية، من مطبوعات جامعة الإمام، إدارة تطوير الخطط والمناهج. |
(32) انتحر: أي قتل نفسه. |
عثمان بن عفان - رضي الله عنه - |
(23 - 35 ه) |
نسبه: |
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي ثالث الخلفاء الراشدين يكنى أبا عمرو. ويلقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي رسول اللّه صلى الله عليه و سلم رقية وتوفيت بعد غزوة بدر، ثم أم كلثوم وتوفيت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم (1). |
إسلامه: |
أسلم – رضي اللّه عنه – وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، وهو أحد العشرة الأوائل الذين دخلوا في الإِسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وإسلام عثمان كان بدعوة من أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- فقد كان أبو بكر الصديق يدعو إلى الإِسلام من يَثِقُ به من قومه ممن يغشاه(2) ويجلس إليه فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللّه، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف - رضي اللّه عنهم- فانطلقوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و سلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإِسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإِسلام فآمنوا(3). |
صفاته الخُلُقية وفضله: |
عرف عثمان- رضي اللّه عنه- بالكرم ولين(4) الطبع(5)، وعرف بالحياء فما كان يُعْرَف أحد أشد حياء منه حتى كان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم يستحي منه إذ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة"(6). |
وعن فضله- رضي اللّه عنه- روى قتادة أن أنساً- رضي اللّه عنه- قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداَ ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف فقال: اُسْكُن أُحد- أظنه ضربه برجله- فليس عليك إلا نبي وصدِّيق وشهيدان(7). |
وعن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: "كنا في زمن النبي عن لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم"(8). وفي السنة السادسة للهجرة بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى قريش مفاوضاً عنه وذلك عندما منعت قريش دخول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة: فبعثه صلى الله عليه وسلم إلى زعماء وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت للحرب وإنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته فخرج عثمان مخاطراً بنفسه إلى مكة حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (9). |
تضحيته بماله: |
لقد ضرب الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه- أروع الأمثلة في نصرة الإِسلام وإعلاء كلمته فكان أجود المسلمين حيث يَجدُّ الجَدُّ ويدعو داعي الجهاد. روى الترمذي عن عبد الرحمن بن سمُرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها فِى حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم " مرتين(10) (11). |
ومن مآثره - رضي اللّه عنه - أنه حفر بئر رُومَة فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يحفر بئر رومة فله الجنة"(12) فحفرها عثمان- رضي اللّه عنه- وجعلها للمسلمين. |
البيعة لعثمان بالخلافة: |
لما طعن عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه – بيد أبي لؤلؤة المجوسي طلب بعض المسلمين منه أن يعهد بالخلافة لمن يرتضيه ويختاره فتردد عمر ثم قال: إن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يريد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر عمر- رضي اللّه عنه- ستة رجال كانوا يتميزون بحب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ورضاه عنهم أكثر من غيرهم وهم: علي، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللّه، وطلب إليهم أن يجتمعوا بعد وفاته ليختاروا واحداً منهم، وقد اجتمع هؤلاء النفر بعد وفاة عمر، وانتهى الرأي الأخير إلى اختيار عثمان - رضي اللّه تعالى عنه -(13) فبايعه المسلمون بالإِجماع. |
أهم أعماله: |
أولا: جمع المسلمين في قراءة القرآن على حرف قريش: |
انتشر الإِسلام وعَمَّت الفتوحات الإسلامية ودخل في الإسلام أقوام من غير العرب فخشي بعض أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و سلم من اختلاف الناس في قراءة القرآن أو تحريف شيء من القرآن لفظاً أو أداء(14)، فقد قدم حذيفة بن اليمان على عثمان، وكان حذيفة يغازي(15) أهل الشام في فتح أرمينيا وأذربيجان(16) مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، وأمر عثمان بنسخ القرآن بلسان قريش حتى إذا نسخت الصحف في المصاحف أرسل إلى كل أفق(17) بمصحف مما نسخ وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق(18). |
ثانيا: تأسيس البحرية الإسلامية: |
استأذن معاوية بن أبي سفيان - رضي اللّه عنه - والي الشام الخليفة عثمان – رضي اللّه عنه – في تأسيس أسطول(19) بحري لصد غارات الأسطول البيزنطي على سواحل الشام ومصر فأذن له، فأعد معاوية أسطولاً قوياً تمكن به من فتح جزيرتي قبرص ورودس في البحر المتوسط كما نازل الأسطول الإِسلامي الأسطول البيزنطي عام 34ه فانتصر عليه في معركة ذات الصواري(20) قرب الإِسكندرية مع أن الأسطول البيزنطي كان أكثر عدداً وتجهيزاً من الأسطول الإسلامي وعرفت المعركة بهذا الاسم- ذات الصواري- لأن صواري سفن المسلمين والروم ربطت بعضها ببعض(21). |
|
الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان - رضي اللّه عنه -: |
* فتح المغرب وبلاد النوبة: (22) |
زحفت جيوش المسلمين في عهد عثمان بن عفان – رضي اللّه عنه - إلى بلاد النوبة جنوب مصر، وتمكنوا من فتحها وضمها إلى الدولة الإسلامية كما تابع المسلمون فتوحاتهم في بلاد المغرب ونشروا الدعوة الإِسلامية في انحائها ووصلت جيوشهم إلى سهول تونس واصطدموا مع قوات الروم فيها وهزموهم وأصبحت المنطقة كلها من برقة(23) إلى تونس خاضعة للدولة الإِسلامية في عهد عثمان- رضي اللّه عنه-(24). |
* فتح بلاد فارس: |
امتدت رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه- حتى وصلت شرقاً إلى بحر قزوين آسيا ومازال المسلمون يطاردون ملك الفرس (يزدجرد) حتى قتل في بلده مرو(25) من بلاد فارس وانتهت بموته دولة فارس. |
استشهاد الخليفة عثمان - رضي اللّه عنه -: |
كان الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه- ذا صفات كريمة وأخلاق فاضلة، فقد كان- رضي اللّه عنه- ليّنا رحيما وعطوفا كريما فطمع فيه أصحاب الأنفس الضعيفة والكارهون لدين اللّه القويم فمن هؤلاء: عبد اللّه بن سبأ وهو يهودي أسلم زمن عثمان نفاقاً فبدأ يطوف في بلدان المسلمين وكان كلما وصل إلى بلد يحكي كذباً عن ظلم عثمان للبلد الآخر حتى ترك كل قطر(26) يظن أنه بخير وأنه أفضل حالا من القطر الآخر وأقنعهم أن علياً- رضي اللّه عنه- أحق بالخلافة من عثمان فجاءت وفود من البصرة، والكوفة، ومصر قائدهم عبد اللّه بن سبأ وقابلهم الخليفة عثمان وعلي- رضي اللّه عنهما- وواعداهم خيراً إذا هم دعوا إلى بلادهم فبدأت هذه" الوفود بالخروج من المدينة إلا أنهم رجعوا مرة أخرى إلى المدينة بحجة أن عثمان كتب إلى والي مصر يأمره أن يقتل الوفد الذي جاء إلى المدينة من أهل مصر. وعثمان- رضي اللّه عنه- بريءُ من هذا الكتاب وإنما زُوِّر عليه، وكان حامل هذا الكتاب المزُوَّر يسير على مقربة من أهل مصر يتعرضهم(27) حتى قالوا له: ما لك؟ إن لك لأمراً ما شأنك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ففتشوه فإذا هم بالكتاب المزور وواضح أن هذا الرجل كان قاصداً أن يُعْرفَ فرجعوا إلى عثمان وطلب عثمان التحقيق في هذا الكتاب إلا أنهم أبوا وقالوا: قد أحل اللّه دمك وأحاط الثوار بيت عثمان وقد حاول كثيرٌ من الصحابة وأبنائهم الدفاع عن عثمان إلا أنه كان يقسم عليهم أن يلقوا سيوفهم وهجم الثوار على الخليفة فضربه رجل مصري من بني سدوس يقال له: جَبْلة- أي: الرجل الأسود- بسيف وهو يقرأ القرآن(28) فاتقاه عثمان- رضي اللّه عنه- بيده، فقطعها والمصحف بين يديه فنضخ(29) الدم على قوله تعالى: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فسقط المصحف من يده فقال عثمان: أما واللّه إنها لأول كفٍّ خطتِ المُفَصَّل(30) - وذلك أنه كان من كتبة الوحي وهو أول من كتب المصحف من إملاء رسول اللّه صلى الله عليه و سلم. فجاءت زوجته نائلة تحجز عنه فتعمَّدها أحد المجرمين فضرب يدها فقطع أصابعها. ثم ضرب عثمان فقتله. وكان استشهاده- رضي اللّه عنه- يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة عام 35ه(31).فرحم اللّه أمير المؤمنين رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. |
أسئلة |
|
س 1 |
ما نسب الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه-؟ |
س 2 |
بماذا لقب الخليفة عثمان؟ وما سبب ذلك؟ |
س 3 |
كيف أسلم الخليفة عثمان - رضي اللّه عنه -؟ |
س 4 |
اذكر صفات الخليفة عثمان - رضي اللّه عنه - الخُلُقية. |
س 5 |
ما موقف الخليفة عثمان - رضي اللّه عنه - من جيش العسرة؟ |
س 6 |
كيف تولى عثمان – رضي اللّه عنه - الخلافة؟ |
س 7 |
أكمل الفراغات الآتية: |
أ- امتدت رقعة الدولة الإِسلامية في عهد عثمان – رضي اللّه عنه - حتى وصلت شرقاً إلى بحر………………… وغرباً إلى …………………… |
|
ب- كما فتح الأسطول الإِسلامي جزيرتي ………………… و …………………… |
|
س 8 |
أجب (بنعم) أو (لا) فيما يلي: |
أ- كانت معركة ذات الصواري بين المسلمين والفرس ( ). |
|
ب- وصلت جيوش المسلمين في عصر عثمان بن عفان إلى بلاد النوبة جنوب مصر ( ). |
|
ج- تمكن الأسطول الإِسلامي في عهد عثمان من فتح جزيرتي صقلية وكريت( ). |
|
س 9 |
اذكر السبب لما يأتي: |
أ- كتابة المصاحف في عهد الخليفة عثمان - رضي اللّه عنه -. |
|
ب- تأسيس البحرية الإِسلامية. |
|
ج- الفتنة في عهد الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه-. |
|
د- إقسام الخليفة عثمان على الصحابة وأبنائهم بإلقاء سيوفهم أثناء الحصار. |
س 15 |
من قتل الخليفة عثمان- رضي اللّه عنه-؟ ومتى؟ |
س 11 |
هات الماضي من الفعل (يُلَقّبُ). |
س 12 |
هات اسم الفاعل من الفعل (تزوج). |
س 13 |
قال رسول اللّه صلى الله عليه و سلم: (اللهم ارضِ عن عثمان فإني عنه راض). |
استخرج من العبارة السابقة اسما ممنوعاً من الصرف وأعربه. | |
س 14 |
أمر عثمان- رضي اللّه عنه- بنسخ القرآن بلسان قريش. |
أعرب الجملة السابقة. |
|
س 15 |
"وأصبحت المنطقة كلها من برقة إلى تونس خاضعة للدولة الإِسلامية. |
استخرج من الجملة السابقة. |
|
|
أ- نعتا مجرورا. |
2- فعلاً ناسخاً وبين اسمه وخبره. |
|
3- أعرب الكلمة التي تحتها خط. |
|
(1) انظر: الإصابة، لابن حجر 4/223. |
(2) يغشاه: أي أتاه. |
(3) السيرة النبوية، لابن كثير 1/437. |
(4) اللين: السهل والسمح. |
(5) الطبع: أي الخلق. |
(6) صحيح مسلم 15/169. |
(7) فتح الباري 7/53. |
(8) فتح الباري 7/54. |
(9) انظر: السيرة النبوية، لابن هشام 3/202. |
(10) رواه الترمذي 3/208. |
(11) أي قالها مرتين. |
(12) فتح الباري 7/52. |
(13) ملخص ما ورد في فتح الباري 7/59. |
(14) أداءً. أي قراءة. |
(15) يغازى أهل الشام: مع أهل الشام. |
(16) أرمينيا وأذربيجان…: انظر الموقع ص 41. |
(17) أفق: ناحية. |
(18) فتح الباري 9/ 11. |
(19) أسطول: مجموعة من السفن تعد للحرب أو للنقل. |
(20) الصواري: جمع صارية وهي عمود يقام في السفينة يشد عليه الشراع. |
(21) الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام عهد الخلفاء الراشدين ص 420. |
(22) انظر: الخريطة السابقة موقع بلاد النوبة |
(23) انظر: الخريطة السابقة موقع برقة. |
(24) انظر الذهبي: تاريخ الإسلام، ووفيات الأعيان عهد الخلفاء الراشدين ص 318. |
(25) انظر الموقع بالخريطة السابقة. |
(26) القطر: الناحية. |
(27) يتعرضهم: أي جعل نفسه هدفاً لهم. |
(28) أكرم ضياء العمري، عصر الخلافة الراشدة ص 391. |
(29) نضخ: نضخ الدم أي ترشش على المصحف. |
(30) المُفصَّل: السُّبع الأخير من القرآن الكريم من "ق" إلى "الناس" سمي بذلك لكثرة الفصل بين سورة. |
(31) الإصابة: ابن حجر 4/224. |
على بن أبي طالب - رضي الله عنه - |
(35 - 40 ه) |
نسبه: |
هو علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة – رضي اللّه عنها- وهو رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة – ولد قبل البعثة بعشر سنين-(1) أبو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف – ويلقب علي – رضي اللّه عنه – بأبي السبطين (2) يعني الحسن والحسين ويكنى أبا الحسن – ولقبه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - بأبي تراب – فقد روى البخاري أن علياً دخل على فاطمة ثم خرج فاضطجع(3) في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص(4) الترابُ إلى ظهره. فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس يا أبا تراب. مرتين(5). |
إسلامه: |
كان علي – رضي اللّه عنه – أول من أسلم من الصبيان وكان يعيشِ في كنف(6) الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كفله وتولى تربيته ليخفف عن عمه شيئاً من مؤونة العيال وحينما بُعِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم كان علي لا يزال في حجره فدعاه إلى الإِسلام فآمن به وصدقه(7) وكان له من العمر ثماني أو عشر سنين(8). |
صفاته الخلقية: |
كان- رضي اللّه عنه- عالماً ذكياً اشتهر بالفصاحة والشجاعة والمروءة والوفاء واحترام العهود، وكان- رضي اللّه عنه- يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ويعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، وكان يُعظِّم أهل الدين وُيقرِّب المساكين وكان يخاطب الدنيا فيقول: عمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك قليل آه آه من قِلَّة الزَّاد وبُعْد السفر ووحشة الطريق(9). |
فضله: |
فضائل علي- رضي اللّه عنه- كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مني وأنا منك"(10) وقول عمر بن الخطاب – رضي اللّه عنه – توفِي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض(11). وفي غزوة خيبر حينما استعصى على المسلمين حِصْنَان – قال النبي صلى الله عليه وسلم -: " لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح اللّه على يديه" قال فبات الناس يدوكون(12) ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ |
فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللّه. قال: فأرسلوا إليه فأتوني به، فلما جاء بصق في عينيه، ودعا له. فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ففتح اللّه عليه(13). |
تضحيته بنفسه: |
كان علي- رضي اللّه عنه- كأفاضل الصحابة لا يبالي حين يُقَدَّم أيَّ شيء في سبيل هذه الدعوة فقد ضَحَّى بنفسه وماله، فهو- رضي اللّه عنه- أول من فدى(14) بنفسه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقد نام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة مع أنه يعلم أن المشركين قد اتفقوا على قتل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم واشترك - رضي اللّه عنه- في جميع الغزوات عدا غزوة تبوك(15). |
خلافته: |
بعد مقتل عثمان- رضي اللّه عنه- اختاره المسلمون أميراً لهم فلم يقبل وأحب أن يكون وزيراً بدل أن يكون أميراً إلا أن الصحابة أصروا عليه للخلاص من المأزق الذي كانوا فيه فقد كان الثوار هم المسيطرون علىِ زمام(16) الأمور في المدينة بعد قتلهم الخليفة عثمان – رضي اللّه عنه – ظلماَ وعدواناً بل هدد الثوارُ أهلَ المدينة بقتل أهل الشورى وكبار الصحابة، ومن يقدرون عليه من دار الهجرة إن لم يجدوا أحداً يقبل الخلافة وقالوِا دونكم يا أهل المدينة فقد أَجَّلْنَاكم يومين فواللّه لئن لم تفرغوا لنقتلن غداَ علياً وطلحة والزبير وأناساً كثيرين، ولما عزم عليه المهاجرون والأنصار رأى ذلك فرضاً عليه فانقاد إليه - وفي يوم السبت التاسع عشر من ذي الحجة خرج علي- رضي اللّه عنه- إلى المسجد فصعد المنبر فبايعه المهاجرون والأنصار وكان ممن بايعه الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللّه(ّ17). |
أهم أعمال علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- بعد تَولّيه الخلافة:- |
شاء اللّه تعالى أن تطول الفتنة بعد مقتل عثمان- رضي اللّه عنه- وتتجدد أحداثها بمكر وحيل أعداء الإِسلام ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين فهو سبحانه حكيم في قضائه عليم في أقداره، فبعد أن بويع علي - رضي اللّه عنه- بالخلافة قام علي- رضي اللّه عنه- بما يلي: |
أولاً: عَزَلَ عليٌ – رضي اللّه عنه- أمراء عثمان الذين يشتكي منهم الناس وعزل أيضاً من لا يتفق مع سياسته. |
ثانياً: أجّل علي – رضي اللّه عنه – معاقبة قتلة عثمان ريثما يستقر حكمه يجتمع عليه المسلمون في البلاد الأخرى(18). |
موقف بعض الصحابة- رضي اللّه عنهم- من هذه الأعمال: |
استجاب بعض الأمراء لهذا العزل ولم يستجب قسم منهم من بينهم أمير الشام معاوية بن أبي سفيان- رضي اللّه عنه- مع اعترافه بفضل علي - رضي اللّه عنه- وتسليمه بجلالة قدره. |
وكان سبب عدم استجابته- رضي اللّه عنه- هو إصراره على ضرورة القصاص من المجرمين قبل البيعة، وهذا هو بداية الخلاف، وما جرى بين علي ومعاوية- رضي اللّه عنهما- كان مبنياً على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإِمامة(19) لذلك قرر أهل السنة والجماعة أن كلاهما مأجور للمصيب أجران وللمخطىء أجر واحد كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(20). |
وقد نتج عن استغلال الحاقدين(21) لهذا الخلاف حربان مؤسفتان بين المسلمين دفاعاً عما يعتقده كل فريق من الحق والصواب فكانت الأولى: |
معركة الجمل (36ه) : (22) |
وسببها "أن عائشة- رضي اللّه عنها – ومعها طلحة والزبير – رضي اللّه عنهما- ساروا إلى البصرة ومعهم كثير من الناس بنية تأليف القلوب وتهدئة الوضع المضطرب والإصلاح بين الناس حينما اختلفوا بعد استخلاف علي – رضي اللّه عنه- ممتثلين بذلك قوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}(23) وبعد أن سمع علي بخروج عائشة- رضي اللّه عنها- إلى البصرة خرج بجيشه يريد الإصلاح أيضاً بدليل قوله- رضي اللّه عنه- عندما سئل أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب؟ فقال: أما الذي نريد ونَنْوي فالإصلاح إِن قَبِل مِنَّا أصحاب عائشة وأجابوا لنا إليه قال: فإنَ لم يجيبوا إليه قال: ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونسير. قال: فإن لم يرضوا. قال: ندعهم ما تركونا. قال: فإن لم يتركونا. قال: امتنعنا منهم. قال: أي السائل فنعم إذن(24) ودار الحوار والتفاهم بينه وبين عائشة- رضي اللّه عنها- ومن معها وبات الجيشان بخير ليلة ولكن أهل الفتنة- عبد اللّه بن سبأ ومن معه- خافوا على أنفسهم من الاتفاق بين الطرفين فقاموا مع الفجر وانقسموا قسمين وهجم كل قسم على معسكر الآخر، فقام الناس إلى سلاحهم وهم يظنون الغدر واشتبك المسلمون في قتال مرير حتى عُقِر جمل عائشة - رضي اللّه عنها- فتفرق الناس وانتهت المعركة ورجعت عائشة إلى مكة بعد أن جهزها علي- رضي اللّه عنه- بكل ما تحتاج وسار بجانب هودجها(25) ماشياً حتى خارج المدينة وسَيَّر معها أخاها محمد بن أبي بكر وسيّر أولاده معها مسيرة يوم(26). |
والثانية: معركة صفين سنة 37 ه: |
وهي المعركة الثانية نتيجة لهذا الخلاف الذي وقع بين علي ومعاوية - رضي اللّه عنهما- واستغله الحاقدون وسبق أن بينّا أسباب هذا الخلاف، كان أصحاب علي- رضي اللّه عنه- وأصحاب معاوية- رضي اللّه عنه- قد تكاتبا مدة ستة أشهر قبل المعركة وهذا يدل دلالة واضحة على كرههما - رضي اللّه عنهما- للقتال ورغبتهما في الإِصلاح ولكن لم يتوصلا إلى نتيجة خلال هذه المدة فبدأت المعركة بالخطوات التالية: |
أولاً: مناوشات(27) بين الطرفين: |
وذلك من أجل الماء الذي كان تحت سيطرة جيش معاوية- رضي اللّه عنه- فتقاتل الفريقان وانتصر جند علي وأزحوا جند معاوية عن مواقعهم فأمر علي- رضي اللّه عنه- أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم وخلوا عنهم(28). |
ثانياً: بدأ القتال بين الطرفين بقوة مختلفة دون أن يظهر انتصار حاسم لأي فريق وإن كانت الكفة راجحة لصالح علي- رضي اللّه عنه- ومع ذلك كان الكثير من أفراد الجيشين يلتقون في الليل(29) ويتحدثون. |
نهاية الأحداث وحقن الدماء بين أهل العراق وأهل الشام: |
خاف المخلصون أن يُفْنيَ المسلمون بعضهم بعضاً فتمنوا ما ينقذهم ويوقف القتال وكان عمرو بنَ العاص- رضي اللّه عنه- يفكر ملياً بذلك حتى اهتدى إلى فكرة التحكيم ليوقف تلك المقتلة الكبرى عند ذلك أبدى الفكرة لمعاوية- رضي اللّه عنه- ففرح بها ورفع جيش الشام المصاحف فهاب جيش علي- رضي اللّه عنه- قتالهم وتوقف القتال وتفرق الجيشان بعد مسألة التحكيم(30) ومضى كلٌ إلى بلده. |
استشهاد علي - رضي اللّه عنه -: |
استشهد – رضي اللّه عنه – في السابع عشر من شهر رمضان سنة 40ه علىِ يد أحد الخوارج(31) واسمه عبد الرحمن بن مُلْجم الذي ظن أنه بقتله علياَ- رضي اللّه عنه- يتقرب إلى اللّه فقد اجتمَع مع زميلين له وتذاكروا الأحداث(32) التي جرت بين المسلمين- فقالوا: يا ليتنا نقتل أئمة الضلالة ونريح منهم البلاد فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا أكفيكم علياً، وقال زميله البرك بن عبد اللّه: وأنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص. واتفقوا على أن يكون ذلك في ليلة واحدة وقد تمكن عبد الرحمن بن ملجم من قتل علي- رضي اللّه عنه- بسيف مسموم عندما كان ذاهباً لصلاة الفجر وهو ينادي الصلاة الصلاة بينما فشل زميلاه في قتل معاوية وعمرو بن العاص، فرحم اللّه أمير المؤمنين رحمة واسعة وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء(33). |
عام الجماعة سنة 41 ه: |
بايع أهل العراق الحسن بن علي -رضي اللّه عنه- في اليوم الذي استشهد فيه علي- رضي اللّه عنه-، وبلغ معاوية- رضي اللّه عنه- أن الحسن يعبئ له الجيوش لمواصلة قتاله فعبأ جيشه تحسباً واحتياطاً للأمور فقد روى البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: "استقبل واللّه الحسنُ بن علي معاويةَ بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تُوَلّىِ حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية: أي عمرو إنْ قَتَل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس؟ ومن لي بأبنائهم؟ ومن لي بضيَعِهم؟ فبعث إليه (أي: إلى الحسن) رجلين من قريش من بني عبد شمس وهما عبد الرحمن بن سمرة، وعبد اللّه بن عامر. فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له وأطلبا إليه (أي: الصلح) فَأَتَياَه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه. فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟ (أي: يكفل لي هذا) قالا: نحن لك به فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به فصالحه وتنازل له "(34) وهكذا انتهت الفتنة وأصلح اللّه بين المسلمين بالحسن- رضي اللّه عنه- لدينه وعقله وتقواه فتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه "إن ابني هذا سيد ولعل اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)(35). |
أسئلة |
|
س 1 |
أ- اذكر نسب علي-رضي اللّه عنه- ومتى ولد؟ |
ب- وماذا تعرف عن نشأته وإسلامه؟ |
|
ج – اذكر ما تعرفه عن جهاد علي – رضي اللّه عنه – ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم قيل؟ |
|
س 2 |
اشرح كيف آلت الخلافة إلى علي- رضي اللّه عنه-؟ |
س 3 |
اذكر أسباب الخلاف بين علي ومعاوية – رضي اللّه عنهما –؟ |
س 4 |
ما أسباب معركة صفين؟ |
س 5 |
ما أهم الأحداث في عهد علي- رضي اللّه عنه –؟ |
س 6 |
اذكر سبب خروج كل من علي وعائشة- رضي اللّه عنهما – بعد أن تولى علي- رضي اللّه عنه- الخلافة. |
س 7 |
وضح ما الذي يدل على رغبة علي ومعاوية - رضي اللّه عنهما- في الصلح. |
س 8 |
درست نسب الخليفة علي- استخرج منه اسماً من الأسماء الخمسة؟ |
س 9 |
ما حكم توكيد الفعل (لأعطين) بالنون ولماذا؟ |
س 10 |
أعرب الجملة الآَتية :[أعطاه الراية]. |
س 11 |
"كان الفريقان قد تكاتبا" |
أ- ما فائدة "قد"؟ |
|
ب- أعرب الجملة كاملة. |
|
س 12 |
كيف استشهد علي - رضي اللّه عنه -؟ |
س 13 |
تحدث عن عام الجماعة وفي أي سنة كان؟ |
|
(1) الإصابة، لابن حجر 4/269. |
(2) البطين: مفرده سبط: وهو ولد الابن والابنة. |
(3) اضطجع: وضع جنبه على الأرض. |
(4) خلص: وصل إلى جلده التراب. |
(5) فتح الباري 7/90. |
(6) في كنف الرسول: أي في ضِلّه وتحت رعايته. |
(7) ابن هشام 1/229. |
(8) أكرم ضياء العمري، عصر الخلافة راشدة ص 75. |
(9) انظر أمين القضاة، الخلفاء الراشدون ص 87. |
(10) فتح الباري 7/70. |
(11) المرجع السابق 7/70. |
(12) يدوكون: يخوضون ويموجون وتختلفون فيه. |
(13) فتح الباري 7/70. |
(14) الفدائي: المجاهد في سبيل الله مضحياً لنفسه. |
(15) انظر السيرة النبوية، ابن هشام 2/91، وابن حجر في الإصابة 4/270. |
(16) زماء الأمور: ملاكها. |
(17) انظر: ابن كثير، البداية النهاية المجلد 4/237، محمود شاكر، التاريخ الإسلامي الخلفاء الراشدون 259، الطبري المجلد الثاني ص 700. |
(18) محمود شاكر، تاريخ الخلفاء الراشدون، بتصرف. |
(19) أمين القضاة، تاريخ الخلفاء الراشدون 94. |
(20) فتح الباري 13/318. |
(21) الحاقدين هنا هم عبد الله بن سبأ وأتباعه. |
(22) الذهبي، تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين 483. |
(23) سورة النساء آية 114. |
(24) أنظر الطبري المجلد الثالث ص 33-34 |
(25) الهودج. قبة توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء. |
(26) أمين القضاة، تاريخ الخلفاء الراشدون 93. |
(27) مناوشات: جمع مناوشة وهي اختبار قوة العدو قبل قِتاله. |
(28) انظر الكامل لابن الأثير 3/ 146. |
(29) أمين القضاة، تاريخ الخلفاء الراشدون ص 94. |
(30) في مسْألةَ التحكيم انتدب على أبا موسى الأشعريَ وانتدب معاوية عمرو بن العاص– رضي الله عنهم – ليتفاوضوا في هذا الأمر فاتفق الحكمان على الاجتماع ودراسة هدا الأمر العام المقبل، فاجتمع الحكمان في الوقت المحدد واجتهد كل منهما في الوصول إلى نتيجة ولكن عدم اتفاقهما أذهب فائدة التحكيم فكانت النتائج استمرار الوضع دون اتفاق وعادت بعد ذلك المفاوضات من جديد وتراضى على معاوية على أن لعلي العراق ومعاوية الشام. |
(31) الخوارج: جمع خارج وهو الذي خلع طاعة الإِمام الحق وأعلن عصيانه وألبَّ عليه. وأجمع الخوارج على تكفير كل من علي وعثمان – رضي الله عنهما- وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوبهما أو صوب أحدهما أو رضي بالتحكيم. نقل من كتاب [الفَرْق بين الفرق]، لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي. |
(32) الأحداث: |
1- موقعة الجمل 2- موقعة صفين. |
3- قضية التحكيم 4- موقعة النهروان. |
موقعة النهروانْ: بعد قضية التحكيم رجع معاوية- رضي الله عنه- إلى الشام وعلي- رضي اللّه عنه- إلى الكوفة، لما قارب على -رضي اللّه عنه- الكوفة اعتزل من جيشه قريب من –اثني عشر ألفاً- وهم الخوارج، وأنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها، فبعث إليهم عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- فناظرهم فرجع أكثرهم. واستمر بعضهم على ضلالتهم، فعاثوا في الأرض فساداً وسفكوا الدماء وقطعوا السبل واستحلوا المحارم وكان من جملة من قتلوه عبد الله بن خباب ومعه امرأته وثلاث نسوة، فتألم علي - رضي الله عنه - من هذه الأعمال المنكرة وبعث إليهم رسولاً - الحرب بن مرة العبدي - لينظر فيما بلغه عنهم فقتلوا رسول علي - رضي الله عنه - فجاء على - رضي الله عنه - بجيشه ولم يبدأهم بالقتال وفتح أمامهم باباً للخلاص من الحرب فطلب منهم أن يدفعوا إليه القتلة (قتلة عبد الله بن خباب ومن معه ورسول علِي) فأبوا وقالوا: كلنا قتلة وفىِ هذا اليوم هزم الخوارج في مكان يسمى بالنهروان يقع جنوب شرقي بغداد وهذه الموقعة كانت سبباً في قتل علي -رضي الله عنه-. انظر ابن كثير البداية والنهاية 4/ 289. |
(33) انظر: محمود شاكر، تاريخ الخلفاء الراشدون ص 282. |
(34) صحيح البخاري، فتح الباري 5/305. |
(35) انظر: فتح الباري 5/306. |
الخاتمة |
||
إن الحقوق الواجبة لصحابة رسول اللّه صلى الله عليه و سلم على كل فرد من أفراد هذه الأمة المسلمة محبتهم وطاعتهم ومتابعتهم و الإقتداء بهم وتوقيرهم و الترضي عليهم والذب عنهم لأنهم مصابيح هذه الأمة التي يستضاء بها بعد نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام. |
||
فهم قوم قال اللّه فيهم: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضيِ اللّه عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}(1). |
||
وقال اللّه تعالى فيهم أيضاً: {والذين تبوؤ الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(2) وفي هذه النبذة التاريخية اقتصرنا على دراسة بعض جوانب الخلافة الراشدة والتي دامت ثلاثين عاماً تقريباً تقاسمها أربعة من خيار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من المبشرين بالجنة ممن تربوا في مدرسة النبوة وممن عاشوا حياة الدعوة وعاشوا أحداثها منذ بدايتها. كلهم ترسموا خطا رسول اللّه صلى الله عليه و سلم واستنوا بسنته وساروا على نهجه وهديه وهم الذين يصدق فيهم قول الشاعر: |
||
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم |
مثل النجوم التي يهدى بها الساري |
|
فمن خلال دراستنا لحياة الخلفاء الراشدين نجد أنه لم يتولى أحد منهم أمرِ المسلمين بفرض نفسه عليهم أو بفرضه من قبل من سبقه في رئاسة الدولة بدءاَ من أبي بكر وانتهاءً بعلي بل كان كل ذلك يتم بشورى من المسلمين وبعد الاختيار المنبثق من الشورى تتم مبايعة الخليفة علناً ثم إذا حصلت البيعة لا يجوز نقضها إلا حين يكون كفرا بواحاً ولذلك لم يهنأ أعداء الِإسلام فبدءوا يحيكون المؤامرات ضد هذه الدولة الإسلامية وهي محاولة لنقض عرى الإسلام فسلك أبو بكر الصديق المسلك الأمثل لمعالجة هذه الظاهرة كما حصل في حروب الردة فالدعوة والجهاد في سبيل اللّه بعد وفاة الرسول الكريم لم تتوقف فقد نفذ أبو بكر ما كان ينوي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تنفيذه فأرسل جيش أسامة بن زبد وأرسل أربعة جيوش إلى بلاد الروم وبينما كانت هذه الجيوش في حروب مع الروم وافته المنية فأكمل الفاروق- رضي اللّه عنه- ما بدأه الصديق فأخضع بلاد فارس وأجزاء كبيرة من بلاد الروم ونظم الدولة فحيكت له مؤامرة أودت بحياته بعد جهاد طويل مع رسول اللّه صلى الله عليه و سلم ومع صاحبه وفي فترة خلافته، وبعد أن لحق بالرفيق الأعلى تولى عثمان- رضي اللّه عنه- فنهج منهج صاحبيه في جهاده والذب عن حظيرة الإسلام وعمل على توسيع دائرة الإسلام امتثالا لقوله اللّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن اللّه مع المتقين}(3). |
||
فوصل المسلمون في عهده حتى أواسط شمال أفريقية غرباً وإلى طشقند شرقاً وإلى بلاد النوبة جنوباً فكاد له اليهود أيما كيد. فقد قتل- رضي اللّه عنه- مظلوماً شهيداً على بلوى أصابته كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه و سلم فقد جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال لما استأذن عثمان- رضي اللّه عنه- بالدخول عليه: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، قال الراوي فأخبرته بما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فحمد اللّه ثم قال: اللّه المستعان "(4) وقتلته فسقة لأن وجبات القتل مضبوطة ولم يجر منه- رضي اللّه عنه- ما يقتضيه ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة ولا أبنائهم وإنما قتله همج من غوغاء القبائل بتحريض من اليهود الذين يعملون بالخفاء فرحم اللّه أمير المؤمنين رحمة واسعة كما أدت اختلاف علي مع عائشة وطلحة والزبير في الرأي لم يكن حول قضية معاقبة الثوار أو عدم معاقبتهم. وإنما في توقيت العقاب وكيفيته فعلي- رضي اللّه عنه- يرى تأجيل ذلك لأن الثوار في حالة قوة حتى لا تتكرر المأساة، والآخرون يرون الإسراع في ذلك وكلهم مجتهد فالمصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر كما أن اغتيال عمر، ثم عثمان، ثم علي –رضي اللّه عنهم أجمعين- أسلوب جبان وخسيس لا يقوم به إلا أعداء الإِسلام والمسلمين ليقضوا على أئمة الدعوة وحماة السنة النبوية حتى يخلو لهم الجو فيعيثوا في الأرض فسادا و يتضح من موقف الحسن- رضي اللّه عنه- مع معاوية بن أبي سفيان- رضي اللّه عنه- حبّه لإِصلاح ذات البين. وانه من أفضل القرب إلى اللّه، وذلك حينما تنازل وترك الأمر لمعاوية. فرضي اللّه عن الجميع وجمعنا معهم في دار الرحمة إنه سميع قريب. |
||
والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. |